- PUBLICITE -
معضلات "التسييس المفرط" للنقابات.. حالتا مصر وتونس - Al Ahleya
- PUBLICITE -

معضلات "التسييس المفرط" للنقابات.. حالتا مصر وتونس

PAR CAPITAL NEWS



المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة

تُشكِّل الحركة النقابية جزءًا هامًّا من المشهد العام في الوطن العربي، نظرًا لما يرتبط به من تعبير عن مصالح عدد كبير من فئات المجتمع، وهو ما يستدعي ضرورة بحث قوة النقابات العربية ودورها بين ما هو خدمي وما هو سياسي، خاصة بعد الثورات العربية، وما أفرزته من اتساع للمجال العام السياسي، وما نتج عن ذلك من رفع لسقف الحريات بالتحديد في الفترات التالية للثورة مباشرة.
ولعل الأزمة الأخيرة التي عرفتها مصر بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية إثر القبض على صحفي ومتدرب من داخل مقر النقابة تثير التساؤلات حول طبيعة الأدوار المتداخلة بين ما هو سياسي ومهني ومعضلاتها خاصة وأن تلك التداخلات اتسعت في مرحلة الثورات وخاصة في مصر وتونس.

فالنقابة بحكم التعريف هي تجمُّع مادي اختياري يجمع بعض الأفراد الذين ينتسبون إلى مهنة واحدة، أو يعملون في حرفة واحدة، ولكل نقابة قوانينها الخاصة، وتختلف من دولة إلى أخرى، لكن أغلب الدول تتفق على إطار عام منظم يكفل حرية تشكيل هذه النقابات. وفيما يتعلق بمصر، فإن نقابة المحامين تُعتبر أول نقابة أُنشئت في مصر عام 1912 أي منذ أكثر من قرن، وهو ما يعكس عمق وتاريخية التجربة النقابية المصرية، أما عن تونس فإن "الاتحاد العام التونسي للشغل" يعتبر المنظمة النقابية الأعرق حيث يرجع تأسيسه إلى عام 1946.

ودستوريًّا، فإن الدستور المصري الأخير الصادر عام 2014 قد نصَّ في المادتين (76) و(77) على أن إنشاء النقابات يكون على أساس ديمقراطي، وأن ذلك حق يكفله القانون، وتكفل الدولة استقلال النقابات، ولا يجوز حلها إلا بأمر قضائي، وأن تكون مساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة النشاط المهني وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية، وأنه لا يجوز فرض الحراسة عليها، أو تدخل الجهات الإدارية في حلها إلا بحكم قضائي. ومن جانبٍ آخر، فإن الدستور التونسي ينص على حرية تكوين النقابات، وأن ضمان الحق النقابي أمر تكفله الدولة.
 
الأنواع وطبيعة الدور:
تنقسم النقابات إلى عدة أنواع، وتختلف في مسمياتها من دولة لأخرى، حيث إن هناك "النقابات المهنية" وهي النقابات التي تنشأ لحماية أعضاء النقابة، وتقديم خدمات لهم، مثل: نقابة الأطباء، ونقابة الصحفيين، ونقابة المهندسين، وكذلك توجد "النقابات العمالية" وهي نقابات تكون تابعة لما يُسمى باتحاد النقابات العمالية، وذلك وفق قرار من وزارة القوى العاملة، وترتبط تلك النقابات بحق العامل في مواجهة صاحب العمل، وهناك "النقابات المستقلة" التي تنشأ وفق مواثيق دولية وبعيدًا عن سلطة اتحاد نقابات العمال الحالي في مصر.
وفيما يتعلق بطبيعة أدوار النقابات، فإن هناك عددًا من الأدبيات التي تُضفي طابع التنوُّع على أدوار النقابات، وذلك على النحو التالي:
أولا- تلبية المصالح الخدمية والاجتماعية:
 تنشأ النقابات بالأساس من أجل التعبير عن مصالح المنتمين لمهنة واحدة، وهي في ذلك إنما تسعى إلى تلبية المصالح الخدمية والاجتماعية للأعضاء، سواء بتوفير خدمات صحية أو ترفيهية، أو إنشاء نوادٍ للأعضاء، بالإضافة إلى الاهتمام بالبعد الاجتماعي، والتعامل مع الظروف المختلفة التي قد يُواجهها العضو.
ثانيًا- تنظيم المنتسبين للمهنة:
 تضع النقابات ضوابط ومحددات يمكن من خلالها أن يكون الفرد العادي جزءًا من النقابة، وهي بمثابة شروطٍ مَن تنطبق عليه يصبح عضوًا من أعضاء النقابة، وفي ذلك التنظيم استبعاد للبعض الذين يمكن وصفهم بأنهم دخلاء على المهنة.
ثالثًا- دور حقوقي:
 إن النقابات موكلة بالدفاع عن حقوق الأعضاء المنتسبين إليها، وذلك في إطار الضوابط القانونية والدستورية السارية في كل بلد، بما يسمح للنقابة أن تملك الأدوات المناسبة من أجل أن تقوم بدورها الحقوقي على أكمل وجه.
رابعًا- دور سياسي: هناك توجهات مختلفة في هذا الإطار، بعضها يرجح فكرة أن هناك دورًا سياسيًّا للنقابة، وذلك في إطار كونها حلقة وصل بين العضو والمجتمع أو مؤسسات الدولة، والبعض الآخر يرى أن النقابات يجب أن تظل في سياقها الخدمي والاجتماعي، وألا يكون لها دور سياسي إلا في حدود ضيقة للغاية.
حالتا مصر وتونس :
عندما قامت ثورة يناير 2011 كانت النقابات وقادتها في الصفوف الأمامية للثورة؛ حيث لعبت الحركة النقابية المصرية دورًا بالغ الأهمية في الثورة، خاصة أنها عانت في الفترات السابقة على الثورة من تضييق شديد من جانب الدولة، حيث شهدت فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك توترًا كبيرًا بين الدولة وبعض النقابات المهنية نتيجة تسييس العمل النقابي، الأمر الذي دفع النظام إلى وضع بعض النقابات تحت الحراسة، ولم تنته اشتباكات النقابات المصرية السياسية حتى بعد الثورة، وتُشكل الأزمات الأخيرة مع نقابتي الأطباء ثم الصحفيين نموذجًا على ذلك، وتتشابهان في كون أزماتهما مع النظام السياسي بدأت أمنية ثم تحولت إلى سياسية.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، تحاول الوزارات المعنية تقنين الحياة النقابية بعد أن فقد قانون عام 1976 صلاحيته في ظل المعطيات السياسية الجديدة وفي ظل تحفظات منظمة العمل الدولية، ولذا فإن هناك مشروعات قوانين لتنظيم الحياة النقابية تحت اسم "قانون الحق في التنظيم" أو "قانون الحريات النقابية" سوف يتم عرضها على البرلمان الحالي من خلال صيغة توافقية ومعبرة عن الواقع النقابي الحالي.
أما في تونس، فقد أفرزت الثورة حراكًا نقابيًّا لا يهدأ، حيث انتشرت الإضرابات العمالية التي تُنفذها النقابات في القطاعين العام والخاص، مما أثمر عن تثبيت آلاف الموظفين، بالإضافة إلى رفع الرواتب، ومنح ترقيات وامتيازات حُرم منها العمال قبل الثورة، وبرزت منظومتان نقابيتان جديدتان من قبل الكوادر النقابية المبعدة أو المستقيلة من الاتحاد العام، وهما "الجامعة العامة التونسية للشغل" و"اتحاد عمال تونس".
كذلك فإن الاتحاد العام التونسي للشغل قد أدان إطلاق الرصاص على المتظاهرين أثناء الثورة، بالإضافة إلى المطالبة بإقرار حق الهياكل النقابية في الدخول في تحركات نضالية احتجاجًا على ما لحقها ولحق المواطنين من أضرار، إلى جانب المشاركة تباعًا في كل الإجراءات الدستورية التي أفضت إلى دخول تونس في مرحلة التحول الديمقراطي، بل وشارك الاتحاد في الوساطة بين الفرقاء السياسيين، وتجسد ذلك من خلال المساهمة ضمن اللجنة الرباعية في تصحيح المسار السياسي التونسي في مرحلة ما بعد الثورة.
أربع معضلات:
يمكن القول إن الحركة النقابية بشكلٍ عام في مصر وتونس قد ارتبطتا بعددٍ من المعضلات، وهي كالتالي:
أولا- معضلة أولوية الدور:
 ثمة اختلاف في التوجهات النقابية في مصر عمَّا هو في تونس، حيث إن معطيات الواقع خلال السنوات الخمس الماضية تبرز كون الدور السياسي للنقابات في تونس يندرج في كونه في إطار الجانب الخدمي والاجتماعي للأعضاء، بينما في مصر فإن الدور السياسي يتزايد بشكل كبير، بيد أنه ينطلق من أزمات أمنية ثم ما تلبث أن تتحول إلى أزمة سياسية.
ثانيًا- معضلة الولاء النقابي:
 تختلف النقابة أيديولوجيًّا وبنيويًّا عن الأحزاب، حيث إن الأخيرة تُجبر أعضاءها على اتخاذ مواقف سياسية حتى ولو على غير رغبتهم، وأن يصوتوا على ما يراه الحزب حتى لو تناقض مع المواقف الفردية للأعضاء، وهو ما لا يوجد في النقابات، وبالتالي فإن ذلك يخلق معضلة كبيرة في مدى أهلية النقابة للتعبير عن الكل، وإلزامهم بمواقفها الرسمية، وهو ما تجلى في أزمة الصحفيين الأخيرة في مصر في ظل وجود اتجاهين من الصحفيين النقابيين كل منهما يتخذ موقفًا مناقضًا للطرف الآخر تمامًا.
ثالثًا- معضلة التسييس المفرط:
 إن التسييس المفرط للدور النقابي يُخلّ بدورها الأساسي في تحقيق المطالب الخدمية والاجتماعية للمنتسبين للمهنة، وكذلك فإن المواقف السياسية الشديدة تجعل النقابة في مواجهة جزء من المجتمع النقابي بشكل خاص والمجتمع بشكل عام الذي قد يتبنى مواقف سياسية متباينة، وهو ما يجعل العمل النقابي مُعرَّضًا لأن يفقد مصداقيته في الشارع، كذلك من المهم إدراك أن الدور السياسي للنقابات هو استثناء وليس قاعدة.
رابعًا- معضلة التعامل الأمني:
 من الضروري أن يكون التعامل الأمني مع النقابات به جانب كبير من الإحاطة بمقتضيات المرحلة السياسية الاستثنائية التي تعيشها المجتمعات العربية وفي إطار ما يكفله الدستور والقانون، حيث إن تعاظم الدور السياسي للنقابات المصرية -على سبيل المثال- ناتج بالأساس عن تعامل أمني تراه النقابة تعاملا خاطئًا.
وختامًا، يمكن القول إن هناك تطوُّرًا كبيرًا في الحركة النقابية في الوطن العربي، وهو تطوُّر استفادت منه النقابات إثر ما أفرزته الثورة من حراك سياسي كبير، وهو ما منح هذه النقابات مزيدًا من القوة في مواجهة الدولة أو النظام السياسي القائم، خاصة أن أعضاء تلك النقابات كانوا جزءًا من الثورة وكذلك النقابات نفسها، وتحاول النقابات في الوطن العربي التوجُّه نحو الاستحواذ على أكبر قدر من الاستقلالية من أجل أن تكون أكثر قدرة على التعبير عن تطلعات أعضائها، ومواجهة أي مضايقات أمنية أو عراقيل حكومية يمكن أن تُحجِّم من أدوارها، وهو توجُّه يتم فيه تداخل الأدوار النقابية بشكل كبير قد يجعل السياسي يطغى على ما هو خدمي أو اجتماعي.
Fourni par Blogger.